يُعد معبد فيلة من أبرز المعالم الأثرية والسياحية في مصر، حيث يجسد روعة الحضارة المصرية القديمة ويقف شاهدًا على عبقرية المصريين في الهندسة المعمارية. يقع المعبد في مدينة أسوان، على جزيرة فيلة التي كانت مركزًا لعبادة الإلهة إيزيس في العصور القديمة. يتميز المعبد بتصميمه الفريد وموقعه الخلاب، مما يجعله وجهة رئيسية للسياح من جميع أنحاء العالم.
تاريخ معبد فيلة
يرجع تاريخ بناء معبد فيلة إلى العصر البطلمي، حيث بدأ بناؤه في عهد بطليموس الثاني (285-246 ق.م) واستمر العمل عليه في العصور اللاحقة. كان المعبد مخصصًا لعبادة الإلهة إيزيس، التي كانت تُعتبر رمزًا للأمومة والحب والحماية في الديانة المصرية القديمة. ومع مرور الزمن، شهد المعبد إضافات وتعديلات على يد الأباطرة الرومان الذين حكموا مصر.
في القرن العشرين، ومع بناء السد العالي، تعرض المعبد لخطر الغرق، مما دفع منظمة اليونسكو، بالتعاون مع الحكومة المصرية، إلى تنفيذ مشروع إنقاذ ضخم في الستينيات، حيث تم تفكيك المعبد ونقله إلى جزيرة أجيليكا القريبة، ليظل معلمًا أثريًا فريدًا يحكي قصة التاريخ والحضارة المصرية.كان معبد فيلة -شأنه كشأن الأهرامات الثلاثة- بقعة سياحية شهيرة يزورها الناس من مختلف بقاع الأرض في القرني الثامن والتاسع عشر. وهؤلاء هم من حالفهم الحظ برؤية الجدران والأعمدة بألوانها الزاهية على هيئة نشأتها الأولى قديماً. لكن بعد بناء السد العالي، غمرت المياة جزيرة فيلة بأكملها لتختفي تحتها ألوان المعبد الزاهية إلى الأبد!
لحسن الحظ، أنقذ المشروع المشترك بين اليونسكو والحكومة المصرية فيلة من أعماق النيل. نُفذ المشروع خلال عشرة سنوات من عام 1970 حتى 1980. قام المهندسون أولاً ببناء سد كبير حول جزيرة فيلة، ثم أزالوا المياة بمضخات قوية. وبعد مجهودات مضنية، تم فصل معبد فيلة الذي وُصف بأنه عبارة عن 40،000 قطعة فريدة عن الجزيرة، ثم نقل المعبد بأكمله -قطعة قطعة- إلى أرض أعلى في جزيرة أخرى. ثم تعاونوا فيما بعد على رصه كقطع الأحجية ليظهر في هيئته الحقيقية قبل الغرق. ولازالت الجزيرة التي حملت معبد فيلة قديماً في أعماق بحيرة ناصر! وعلى الرغم من أن السائحين اليوم لا يمكنهم رؤية جمال فيلة الأصلي، إلا أن المعبد نفسه لازال صامداً بحالة مذهلة تمكننا من رؤية لمَ كان هذا المعبد مهمًا بالنسبة للمصريين القدماء.

أسطورة معبد الفيلة
معبد فيلة يرجع للإسم “فيلة” أو “فيلاي” الذي يُعني (الحبيبة) أو (الحبيبات) في اللغة الإغريقية. تقع الجزيرة في أقصى جنوب مصر كآخر مركز للديانة المصرية القديمة منذ 4000 عام! كانت فيلة جزيرة مقدسة ومركزًا مهمًا للعبادة مكرسًا لعبادة إيزيس التي تعد وزوجها أوزوريس وابنهما حورس أهم ثلاث شخصيات في الأساطير المصرية القديمة. تشابهت قصتهم مع واحدة من أكثر كتابات شكسبير مأساوية. مثلت إيزيس إحدى أهم الشخصيات في العالم القديم. عُرفت كمعالجة، واهبة للحياة، وحاميةً للملوك! لم تشتهر أسطورتها فقط في زمن المصريين القدماء، لكنها إنتشرت في جميع أنحاء اليونان والإمبراطورية الرومانية؛ بل وشُيد لها لاحقاً معبداً خاصاً في لندن!
تحكي الأسطورة عن جدال صغير بين أوزوريس وشقيقه ست أدي إلى معركة كبيرة بين الأخوين، تمكن فيها ست من قتل أوزوريس وتقطيع جثته إلى عدة قطع تناثرت حول مصر. فتشت إيزيس -الزوجة المتفانية- في كل بقاع مصر حتى عثرت على جميع قطع جسم زوجها. وبفضل قوتها السحرية، نجحت في إعادة أوزوريس إلى الحياة لفترة وجيزة ولدت خلالها إبنهما حورس! نشأ حورس في أحراش الدلتا وحين أصبح رجلاً، انتقم لوالده وقتل عمه ست. وفقًا للأسطورة، فإن جزيرة فيلة هي المكان الذي وجدت فيه إيزيس قلب أوزوريس، قبل أن تقوم بدفنه في جزيرة قريبة.
ويرجع اسم “فيله” إلى الكلمة الإغريقية “فيلاي” والتي تعني الحبيبة، وعرفت في الأدب العربي باسم أنس الوجود نسبة لأسطورة أنس الوجود بقصص التراث الشعبي الشهيرة ألف ليلة وليلة، أما الاسم المصري القديم والقبطي فهو “بيلاك”، ويعني الحد أو النهاية لأنها كانت آخر حدود مصر في الجنوب.
وتشمل آثار “فيله” العديد من المباني التي يعود تاريخها إلى العصر البطلمي، وأبرزها معبد إيزيس الذي يعتبر أكثر المعابد المصرية استمرارًا، وذلك لأنه ظل يؤدي دوره حتى عصر الملك البيزنطي جستنيان الأول، والذي أمر بإغلاق كل المعابد الوثنية، وتم تحويل المعبد إلى كنيسة ومحو العديد من النقوش الخاصة به.
وكانت إيزيس المعبودة الرئيسية في مصر القديمة، وتم تصوير عدة مشاهد على جدران المعابد للإمبراطور وهو يقدم القرابين لها ولزوجها أوزوريس وابنهما حورس.
وبجوار معبد إيزيس يقع معبدًا كان مكرسًا لحتحور، بانه بطليموس السادس فيلوماتور وأغسطس الأول إمبراطور روما، ولا تزال مقصورة تراجان المقامه أمام معبد فيله قائمة، على الرغم من أن سقفها لم يعد موجودًا.
وخلال بناء السد العالي غمرت المياه معبد “فيله”، وقامت اليونسكو في ستينيات القرن الماضي بحملة لإنقاذ المواقع التي غمرتها مياه النيل، ونقلت آثار “فيله” إلى جزيرة أجيليكا، التي تبعد مسافة 500 متر عن جزيرة “فيله” الأصلية.

تصميم معبد فيلة ومعالمه الرئيسية
1. المدخل والصروح
- يبدأ المعبد ببوابة ضخمة مزينة بالنقوش والرموز الفرعونية التي تصور مشاهد دينية وأسطورية، تليها سلسلة من الصروح التي تمثل الطراز المعماري البطلمي المميز.
2. الصرح الأول
- يعد الصرح الأول المدخل الرئيسي للمعبد، وهو مزين بنقوش ضخمة تُظهر الملك بطليموس الثاني وهو يقدم القرابين للآلهة المصرية، إلى جانب مشاهد تمثل الأساطير المرتبطة بالإلهة إيزيس.
3. قاعة الأعمدة
- تقود البوابة إلى قاعة الأعمدة، التي تتميز باثنتي عشرة عمودًا ضخمة منحوتة بنقوش بارزة تجسد قصصًا دينية وأساطير تتعلق بعبادة إيزيس.
4. الحرم المقدس
- يُعتبر الحرم أقدس جزء في المعبد، حيث كان يُوضع تمثال الإلهة إيزيس، وكانت الطقوس الدينية تُقام فيه احتفاءً بها.
5. معبد حتحور والمقصورات الفرعية
- إلى جانب المعبد الرئيسي، يوجد معبد صغير مخصص للإلهة حتحور، بالإضافة إلى عدة مقصورات استخدمت في أداء الطقوس الدينية المختلفة.

أهمية معبد فيلة
1. دينية: كان مركزًا لعبادة الإلهة إيزيس، التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في مصر القديمة وحتى في العصر الروماني.
2. تاريخية: يعكس تطور العمارة المصرية خلال العصرين البطلمي والروماني، كما يمثل رمزًا لإنقاذ التراث المصري من الغرق بفضل جهود اليونسكو.
3. سياحية: يُعد واحدًا من أهم الوجهات السياحية في أسوان، حيث يجذب آلاف الزوار يوميًا بسبب موقعه الفريد وجماله المعماري.

عروض الصوت والضوء في معبد فيلة
يُقام في معبد فيلة عرض الصوت والضوء، وهو تجربة ساحرة تأخذ الزائر في رحلة عبر الزمن من خلال الإضاءة المبهرة والسرد الصوتي الذي يروي تاريخ المعبد وقصة إنقاذه.
بعض المعلومات التاريخية عن معبد فيلة
– استكشف أطلال المعبد من خلال المشي عبر العديد من قاعات المعبد والغرف والفناء. تأمل منحوتاتها المذهلة، والتماثيل، واللغة الهيروغليفية على الجدران. سوف تشعر بعظمة المعبد، وبراعة المصريين القدماء.
– تأمل الطبيعة المحيطة بالمعبد من نهر النيل والصحراء القريبة.
– المشي إلى البحيرة المقدسة بالقرب من المعبد، حيث اعتقد المصريون القدماء أن آلهة إيزيس ولدت.
– التقاط وجهات النظر المذهلة والتاريخ الغني للمعبد من خلال الصور.
– حضور عرض الضوء والصوت الذي يعرض تاريخ إنشاء المعبد، ويوفر نظرة ثاقبة على تاريخه وأهميته.
– زيارة الأحياء القريبة من المعبد، حيث يمكنك التعرف على الثقافة والتقاليد النوبية.
مقترح لك : محمية رأس محمد
الخلاصة
يُعتبر معبد فيلة من أبرز التحف الأثرية التي تروي قصة الحضارة المصرية القديمة، حيث يعكس مزيجًا رائعًا من الفن والدين والتاريخ. بفضل تصميمه الرائع وإنقاذه من الغرق، أصبح المعبد رمزًا عالميًا للحفاظ على التراث الإنساني، ووجهة لا بد من زيارتها لكل عشاق التاريخ والثقافة.
التعليقات