تقف قلعة بودروم شامخة على شبه جزيرة صخرية مطلة على المياه الفيروزية لبحر إيجه، كشاهد صامت على قرون من التاريخ والثقافة. هذه التحفة المعمارية، التي تُعرف أيضًا باسم قلعة القديس بطرس، ليست مجرد معلم تاريخي بارز في مدينة بودروم التركية الساحرة، بل هي أيضًا نافذة تطل على حضارات عريقة وقصص بحرية مثيرة.
تستقطب القلعة سنويًا آلاف السياح من مختلف أنحاء العالم، ليس فقط لاستكشاف أسوارها وأبراجها المهيبة، بل أيضًا للاستمتاع بالمناظر البانورامية الخلابة التي توفرها ولمشاهدة كنوز متحف بودروم للآثار البحرية الذي يضم بين جدرانه.

قلعة بودروم: تاريخ عريق يمتد لقرون
تعود جذور قلعة بودروم إلى أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، عندما بدأ فرسان القديس يوحنا (المعروفون أيضًا بفرسان الإسبتارية) في بنائها باستخدام حجارة ضريح هاليكارناسوس الشهير، أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، والذي كان يقع بالقرب من الموقع الحالي للقلعة. استمر بناء القلعة لعقود، وأضاف إليها الفرسان العديد من الأبراج والتحصينات القوية التي جعلت منها حصنًا منيعًا.
على مر القرون، شهدت القلعة أحداثًا تاريخية هامة، حيث كانت مركزًا استراتيجيًا خلال فترة الحروب الصليبية وسيطرة العثمانيين على المنطقة. تم تغيير اسمها لاحقًا إلى قلعة بودروم بعد الفتح العثماني، وظلت تستخدم لأغراض عسكرية حتى أوائل القرن العشرين.
قلعة بودروم: معمار فريد يحكي قصصًا تاريخية
تتميز قلعة بودروم بتصميمها المعماري الفريد الذي يجمع بين عناصر العمارة الأوروبية في العصور الوسطى والتأثيرات العثمانية اللاحقة. تتكون القلعة من أربعة أبراج رئيسية تحمل أسماء دول مختلفة ساهمت في بنائها: البرج الإنجليزي، والبرج الفرنسي، والبرج الإيطالي، والبرج الألماني. يربط بين هذه الأبراج أسوار دفاعية عالية ومتينة، تتخللها فتحات للمدافع وممرات سرية.
عند التجول داخل القلعة، يمكن للزائر استكشاف ساحاتها الداخلية الواسعة، وكنائسها الصغيرة التي تحولت إلى قاعات عرض، وزنازينها التي تروي قصصًا عن الأسرى. كما يمكن الصعود إلى قمم الأبراج للاستمتاع بإطلالات بانورامية ساحرة على مدينة بودروم، ومينائها الحيوي، والجزر المنتشرة في بحر إيجه المتلألئ.

متحف قلعة بودروم للآثار البحرية نافذة على أعماق التاريخ
أحد أبرز الأسباب التي تجعل قلعة بودروم وجهة سياحية لا تُنسى هو استضافتها لـ متحف بودروم للآثار البحرية، وهو أحد أهم المتاحف المتخصصة في هذا المجال على مستوى العالم. يضم المتحف مجموعة رائعة من الاكتشافات الأثرية التي تم العثور عليها في حطام السفن القديمة التي غرقت في المياه المحيطة ببودروم.
تشمل معروضات المتحف كنوزًا ثمينة مثل:
- حطام سفينة أولوبورون: وهي سفينة تجارية من العصر البرونزي المتأخر (القرن الرابع عشر قبل الميلاد) تحمل على متنها مجموعة متنوعة من البضائع والتحف من مختلف أنحاء العالم القديم.
- حطام سفينة جير كابو: وهي سفينة بيزنطية من القرن الحادي عشر الميلادي تحمل على متنها أكبر مجموعة من الأواني الزجاجية الإسلامية التي تم العثور عليها حتى الآن.
- قاعة الأميرة الكارية: تعرض كنوزًا تم العثور عليها في مقبرة أميرة كارية من القرن الرابع قبل الميلاد.
- حديقة السفن الغارقة: تعرض أجزاءً من السفن القديمة التي تم ترميمها.
يقدم قلعة بودروم تجربة تعليمية وثقافية غنية للزوار من جميع الأعمار، حيث يمكنهم التعرف على تاريخ الملاحة والتجارة في العصور القديمة، ومشاهدة القطع الأثرية النادرة التي تروي قصصًا عن حضارات مندثرة.
بودروم أكثر من مجرد قلعة
زيارة قلعة بودروم هي جزء لا يتجزأ من تجربة استكشاف مدينة بودروم الساحرة. فالمدينة نفسها تقدم مزيجًا فريدًا من التاريخ والثقافة والترفيه. يمكن للزوار التجول في أزقتها الضيقة المرصوفة بالحصى، وزيارة سوقها النابض بالحياة، والاسترخاء على شواطئها الجميلة، والاستمتاع بمأكولاتها البحرية الطازجة في مطاعمها المطلة على البحر. كما تشتهر بودروم بحياتها الليلية الصاخبة ومينائها الفاخر الذي يرسو فيه العديد من اليخوت والقوارب.

نصائح للزوار قلعة بودروم
- أفضل وقت للزيارة: فصلا الربيع والخريف هما الأفضل لزيارة القلعة والمدينة بشكل عام، حيث يكون الطقس معتدلاً ولطيفًا.
- ارتداء ملابس مريحة: يتطلب استكشاف القلعة المشي والصعود إلى بعض الأماكن المرتفعة، لذا يفضل ارتداء أحذية وملابس مريحة.
- تخصيص وقت كافٍ: المتحف يستحق تخصيص عدة ساعات لاستكشاف معروضاته القيمة.
- الاستفادة من المرشدين السياحيين: يمكن للمرشدين السياحيين تقديم معلومات قيمة وتفاصيل مثيرة حول تاريخ القلعة والمتحف.
- لا تنسَ الكاميرا: المناظر البانورامية من أعلى الأبراج تستحق التقاط الصور التذكارية.
الخلاصة
تعتبر قلعة بودروم أكثر من مجرد معلم سياحي؛ إنها رحلة عبر الزمن، وفرصة للتفاعل مع التاريخ البحري الغني للمنطقة، والاستمتاع بجمال طبيعي خلاب. بأسوارها الشامخة، وأبراجها المهيبة، وكنوز متحفها الفريدة، تترك قلعة بودروم انطباعًا دائمًا في نفوس زوارها، وتجعل من بودروم وجهة سياحية لا تُنسى تجمع بين سحر الماضي وجمال الحاضر.
قلعة بودروم، المعروفة أيضًا بقلعة القديس بطرس، هي معلم تاريخي بارز يطل على بحر إيجه في مدينة بودروم التركية. بُنيت في القرن الخامس عشر باستخدام حجارة ضريح هاليكارناسوس، وتتميز بمعمار فريد يجمع بين الطراز الأوروبي والعثماني.
التعليقات