تشيتشن إيتزا (Chichén Itzá) واحدة من أعظم المدن الأثرية في المكسيك، وهي شاهد على حضارة المايا العظيمة التي ازدهرت في أمريكا الوسطى لعدة قرون. تقع هذه المدينة في شبه جزيرة يوكاتان، وتُعد من أبرز المواقع الأثرية في العالم، حيث تجذب ملايين السياح سنويًا.

تعتبر تشيتشن إيتزا واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة وتمثل مزيجًا من الفن، العمارة، الفلك، والدين الذي ميز حضارة المايا. من أشهر معالمها هرم كوكولكان (إل كاستيلو)، الذي صُمم بطريقة تعكس الظواهر الفلكية بدقة مذهلة. في هذه المقالة، سنأخذك في جولة تاريخية ومعمارية وسياحية شاملة عن هذه المدينة العريقة، بدءًا من نشأتها، مرورًا بأهم معالمها وأسرارها الفلكية، وانتهاءً بتجربة زيارتها اليوم.

تاريخ تشيتشن إيتزا:

  • أصول المدينة ونشأتها: تشير الأبحاث الأثرية إلى أن تشيتشن إيتزا تأسست بين القرنين السادس والتاسع الميلادي على يد حضارة المايا. كان سكان المايا شعبًا متقدمًا في الفلك، والهندسة، والرياضيات، ولذلك انعكست هذه المهارات في تخطيط وبناء المدينة. في البداية، كانت تشيتشن إيتزا مجرد مركز إقليمي صغير، لكنها تطورت بسرعة لتصبح واحدة من أهم المدن في يوكاتان، مع تأثير ثقافي كبير على جميع أنحاء أمريكا الوسطى.
  • العصر الذهبي وتأثير حضارة التولتك: في القرن العاشر الميلادي، بدأت حضارة التولتك، وهي حضارة مكسيكية قديمة أخرى، بالتأثير على تشيتشن إيتزا. يعتقد المؤرخون أن التولتك احتلوا المدينة أو تحالفوا مع المايا، مما أدى إلى دمج أساليب العمارة والفن بين الحضارتين. يظهر هذا التأثير في العديد من المباني، خاصةً معبد المحاربين وهرم كوكولكان، حيث يمكن رؤية تماثيل وأعمدة تُشبه تلك الموجودة في تولا، عاصمة التولتك.
  • انهيار المدينة وغموض اختفائها: بحلول القرن الثالث عشر، بدأت تشيتشن إيتزا في الانحدار، وأصبحت مهجورة تقريبًا بحلول القرن الخامس عشر. هناك عدة نظريات حول سبب سقوطها، منها: الصراعات الداخلية بين القبائل المايا المختلفة. التغيرات المناخية والجفاف، التي أثرت على إمدادات المياه. تدهور الأنظمة السياسية والدينية، مما أدى إلى فقدان نفوذ النخبة الحاكمة. وبحلول الوقت الذي وصل فيه المستكشفون الإسبان في القرن السادس عشر، كانت تشيتشن إيتزا مجرد أطلال، لكنها استمرت في كونها موقعًا مقدسًا للمايا.
تشيتشن إيتزا
تشيتشن إيتزا

معالم تشيتشن إيتزا:

  1. هرم كوكولكان (إل كاستيلو): أشهر معلم في تشيتشن إيتزا، ويبلغ ارتفاعه 30 مترًا. يتكون الهرم من 365 درجة تمثل أيام السنة، وهو مصمم بحيث يلقي ظلالًا تشبه شكل ثعبان متحرك خلال الاعتدالين الربيعي والخريفي.
  2. معبد المحاربين: يتكون من هيكل هرمي كبير تحيط به أعمدة حجرية تُعرف باسم مجموعة الألف عمود، والتي يُعتقد أنها كانت تدعم سقفًا ضخمًا. يعكس هذا المعبد التأثير التولتكّي في تشيتشن إيتزا.
  3. الملعب الكبير للكرة: يُعتبر أكبر ملعب كرة في أمريكا الوسطى، حيث يبلغ طوله 166 مترًا وعرضه 68 مترًا. كانت اللعبة التي تُقام هنا ليست مجرد رياضة، بل كانت طقسًا دينيًا، ويُعتقد أن الفريق الخاسر كان يُقدَّم كقرابين للآلهة.
  4. سينوتي المقدس: هو حفرة مائية طبيعية كانت تُستخدم في الطقوس الدينية، حيث تم العثور على بقايا بشرية وكنوز ثمينة فيها، مما يشير إلى أنها كانت موقعًا للتضحيات البشرية.

الأهمية الدينية والفلكية لتشيتشن إيتزا:

كان المايا شعبًا مهووسًا بالفلك، واستخدموا معرفتهم بالنجوم في بناء مدنهم ومعابدهم.

  • الاعتدالان ودور كوكولكان: خلال الاعتدال الربيعي والخريفي، يُلقي ضوء الشمس على هرم كوكولكان بطريقة تُشكل ظلًا متحركًا يشبه الثعبان، وهو رمز الإله كوكولكان.
  • تقويم المايا في تصميم الهرم: الهرم يحتوي على 91 درجة في كل جهة، وعند إضافة القمة، يصبح العدد 365، وهو عدد أيام السنة الشمسية.
  • النقوش الموجودة في تشيتشن إيتزا تُظهر أن المايا كانوا يتنبؤون بكسوف الشمس والخسوف بدقة مذهلة.

تشيتشن إيتزا اليوم:

أهم الأنشطة السياحية

  • استكشاف الهرم والمعابد: يُسمح للسياح بالتجول حول الهرم ولكن لا يُسمح بتسلقه حفاظًا على الموقع.
  • حضور مهرجان الاعتدال: حيث يأتي الزوار من جميع أنحاء العالم لمشاهدة ظاهرة الثعبان المتحرك على هرم كوكولكان.
  • زيارة سينوتي إيك كيل: بركة طبيعية قريبة يمكن للزوار السباحة فيها.
تشيتشن إيتزا
تشيتشن إيتزا

كيف تصل إلى تشيتشن إيتزا؟

تبعد عن كانكون حوالي 200 كم، ويمكن الوصول إليها بالحافلات أو الجولات المنظمة.

يُفضل زيارتها في الصباح الباكر لتجنب الزحام وحرارة الظهيرة.

مقترح لك: مدينة كولومبيا

الخلاصة

مدينة تشيتشن إيتزا ليست مجرد موقع أثري، بل هي رحلة عبر الزمن تأخذك لاكتشاف حضارة المايا العظيمة. زيارة هذا الموقع ستمنحك فرصة لفهم كيف كان المايا يستخدمون العلم والفلك والدين في بناء مجتمعهم. من التصميم المعماري المذهل إلى الأسرار الفلكية، كل حجر في تشيتشن إيتزا يحكي قصة حضارة لا تزال تبهر العلماء حتى اليوم.

إذا كنت من عشاق التاريخ، الفلك، والثقافات القديمة، فإن تشيتشن إيتزا هي وجهتك المثالية. عند زيارتك لتشيتشن إيتزا، ستشعر وكأنك عدت بالزمن إلى الوراء، حيث يمكنك تخيل الكهنة وهم يتابعون حركة النجوم، والمحاربين وهم يستعدون لطقوسهم المقدسة، والمجتمع الذي كان يملأ هذه الساحات بالحياة. إن الوقوف أمام هذه البقايا العظيمة يمنحك إحساسًا بالعظمة والتقدير لحضارة تمكنت من بناء مدينة بهذا الإتقان والدقة قبل مئات السنين.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *