مدينة كولومبيا المفقودة، المعروفة باسم Ciudad Perdida، هي واحدة من أقدم المواقع الأثرية وأكثرها غموضًا في قارة أمريكا الجنوبية. تقع هذه المدينة في قلب جبال سييرا نيفادا دي سانتا مارتا في كولومبيا، وهي مدينة حجرية قديمة بُنيت قبل قرون من ظهور حضارة الإنكا. كانت موطنًا لحضارة التايرونا، وهي حضارة ازدهرت في هذه المنطقة منذ حوالي 1300 عام.

تُعرف Ciudad Perdida أيضًا باسم “Teyuna”، وهو الاسم الذي أطلقه عليها السكان الأصليون. يُعتقد أن هذه المدينة كانت مركزًا إداريًا وتجاريًا مهمًا في زمنها، لكنها اختفت لقرون بسبب الغزو الإسباني والغابات الاستوائية الكثيفة التي غطتها. اليوم، أصبحت المدينة وجهة سياحية رائعة لمحبي المغامرات والتاريخ، حيث يمكن الوصول إليها فقط عبر رحلة مشي شاقة تمتد لأيام عدة عبر الأدغال الكولومبية. في هذا المقال، سنستكشف بالتفصيل تاريخ المدينة المفقودة، وكيفية اكتشافها، وأهم المعالم السياحية فيها، وتجربة الزوار أثناء الرحلة إليها.

تاريخ مدينة كولومبيا المفقودة:

يعود تاريخ Ciudad Perdida إلى القرن الثامن الميلادي، أي قبل 650 عامًا من بناء ماتشو بيتشو في بيرو. أسسها شعب التايرونا، الذين كانوا معروفين ببراعتهم في الهندسة المعمارية والزراعة والتجارة. كانت المدينة مركزًا دينيًا وسياسيًا مهمًا، وكانت تضم حوالي 2000 إلى 8000 نسمة في ذروتها.

  • ازدهار المدينة: تم تصميم Ciudad Perdida بأسلوب هندسي متطور للغاية، حيث بُنيت على مدرجات حجرية ضخمة متصلة بسلالم وممرات معقدة. تضمنت المدينة شرفات دائرية، وساحات احتفالية، ومنازل حجرية مرتفعة، مما يعكس مستوى عالٍ من التخطيط الحضري. كما أنشأ التايرونا أنظمة زراعية متقدمة، حيث قاموا بزراعة المحاصيل على مدرجات محكمة البناء، مما ساعدهم على تأمين الغذاء لسكان المدينة.
  • اختفاء المدينة: مع وصول الغزاة الإسبان في القرن السادس عشر، واجهت حضارة التايرونا خطر الانقراض. اندلعت الحروب بين الإسبان والسكان الأصليين، مما أدى إلى تدمير مدنهم وتهجير سكانها. نتيجة لذلك، تخلّى الناجون عن Ciudad Perdida، وتم التخلي عنها تدريجيًا حتى غمرتها الغابات الاستوائية تمامًا.
  • إعادة اكتشافها في القرن العشرين: ظل وجود Ciudad Perdida مجهولًا للعالم الخارجي حتى عام 1972، عندما عثر مجموعة من صائدي الكنوز المحليين على سلالم حجرية تؤدي إلى الموقع. بدأ هؤلاء الصيادون في نهب الذهب والمجوهرات والتحف الأثرية، مما أدى إلى إثارة انتباه السلطات الكولومبية. بحلول عام 1976، أرسلت الحكومة الكولومبية فريقًا من علماء الآثار لاستكشاف الموقع، ومنذ ذلك الحين، أصبح Ciudad Perdida موقعًا أثريًا مهمًا. اليوم، تُعتبر المدينة أحد أهم المعالم السياحية في كولومبيا، حيث تجذب آلاف المغامرين كل عام.
مدينة كولومبيا
مدينة كولومبيا

موقع مدينة كولومبيا وكيفية الوصول إليها:

تقع Ciudad Perdida في غابات سييرا نيفادا دي سانتا مارتا، على ارتفاع يزيد عن 1200 متر فوق مستوى سطح البحر. تحيط بها أدغال استوائية كثيفة، مما يجعل الوصول إليها صعبًا للغاية. لا توجد طرق مباشرة أو وسائل نقل حديثة للوصول إليها، بل يجب القيام بمسيرة طويلة وشاقة تستغرق من 4 إلى 6 أيام عبر الجبال.

رحلة المشي إلى Ciudad Perdida: يبدأ معظم السياح رحلتهم من مدينة سانتا مارتا الساحلية، حيث ينطلقون في جولة مرخصة بقيادة مرشدين محليين. الرحلة تتطلب: 45 كيلومترًا من المشي عبر الجبال والغابات، تسلق أكثر من 1200 درجة حجرية للوصول إلى الموقع، عبور أنهار ومسارات جبلية وعرة، تعد هذه الرحلة واحدة من أكثر المغامرات تحديًا في أمريكا الجنوبية، حيث يواجه الزوار ظروفًا مناخية متقلبة تتراوح بين الأمطار الغزيرة والرطوبة العالية. لكن رغم الصعوبة، فإن المناظر الطبيعية الخلابة والمواقع الأثرية في الطريق تجعل التجربة لا تُنسى.

أهم المعالم الأثرية في مدينة كولومبيا:

عند الوصول إلى المدينة، يجد الزائر نفسه في موقع أثري مذهل يمتد على أكثر من 30 هكتارًا. ومن أبرز معالمها:

  1. المدرجات الحجرية: تضم المدينة أكثر من 250 مدرجة حجرية دائرية، كانت تستخدم كأساسات للمنازل والمعابد.
  2. السلالم الحجرية: تؤدي سلالم حجرية عملاقة إلى قمة المدينة، حيث يمكن الاستمتاع بإطلالة بانورامية مذهلة على الغابات الاستوائية.
  3. القنوات المائية: تم إنشاء أنظمة معقدة من القنوات المائية لتوزيع المياه العذبة، مما يعكس تطور الهندسة الهيدروليكية لدى التايرونا.
  4. المنصات الاحتفالية: كانت تُستخدم هذه المنصات لإقامة الطقوس الدينية والاجتماعات القبلية، مما يشير إلى أهمية المدينة كمركز ثقافي وروحي.

تجربة الزوار والانطباعات عن الرحلة في مدينة كولومبيا:

تُعد زيارة Ciudad Perdida تجربة فريدة من نوعها، حيث يجمع الزوار بين المغامرة والاستكشاف والتاريخ. بعض الجوانب التي يتحدث عنها السياح:

  • الرحلة المتعبة والمجزية: رغم صعوبة المشي، إلا أن الشعور بالوصول إلى المدينة يعوض كل التعب.
  • التفاعل مع القبائل الأصلية: أثناء الرحلة، يمر الزوار عبر قرى يسكنها أفراد من قبائل الكوجي، الذين هم أحفاد حضارة التايرونا.
  • التنوع البيئي: الغابات المطيرة الغنية بالحياة البرية تضيف عنصرًا رائعًا من الجمال الطبيعي.
مدينة كولومبيا
مدينة كولومبيا

أهمية مدينة كولومبيا في الحفاظ على التراث الكولومبي:

Ciudad Perdida ليست مجرد موقع أثري، بل هي جزء أساسي من التراث الثقافي لكولومبيا. تسعى الحكومة الكولومبية إلى حماية الموقع من التخريب والسياحة المفرطة، حيث تم وضع قوانين صارمة تحد من عدد الزوار وتفرض جولات مرخصة فقط.

كما تلعب المجتمعات الأصلية دورًا رئيسيًا في الحفاظ على المدينة، حيث يعتبرونها موقعًا مقدسًا، ويطالبون بحمايته من أي أضرار بيئية أو تجارية.

مقترح لك: كارلوفي فاري

الخلاصة

مدينة كولومبيا ليست مجرد مدينة أثرية، بل هي رمز لحضارة عظيمة ازدهرت في قلب غابات كولومبيا قبل مئات السنين. توفر الرحلة إلى المدينة تجربة لا تُنسى تجمع بين المغامرة، التاريخ، الثقافة، والطبيعة. إذا كنت من محبي الاستكشاف والمغامرات، فإن زيارة Ciudad Perdida ستكون بلا شك إحدى أعظم التجارب في حياتك.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *