يُعد جبل إيفرست (Mount Everest) من أعظم عجائب الطبيعة وأكثرها جذبًا للمغامرين وعشاق التسلق. يقع على الحدود بين نيبال ومنطقة التبت ذاتية الحكم في الصين، ويبلغ ارتفاعه 8,848.86 مترًا فوق مستوى سطح البحر، مما يجعله أعلى جبل على وجه الأرض. منذ أن تم قياس ارتفاعه لأول مرة في عام 1856، أصبح رمزًا للهيبة والتحدي، حيث يسعى آلاف المتسلقين سنويًا لتحقيق حلم الوقوف على قمته.
لا يقتصر سحر جبل إيفرست على كونه أعلى قمة في العالم فحسب، بل يشمل أيضًا تاريخًا غنيًا من الاستكشافات والبعثات الجريئة، فضلًا عن بيئة طبيعية قاسية تأسر القلوب. في هذه المقالة، سنستكشف جمال إيفرست، تفاصيل تسلقه، أخطاره، وأثره الثقافي والبيئي.

جغرافيا جبل إيفرست:
- يقع جبل إيفرست في سلسلة جبال الهيمالايا، وهي أعظم سلسلة جبلية في العالم، وتمتد عبر خمس دول: نيبال، الصين (التبت)، الهند، باكستان، وبوتان. يحده من الجنوب منطقة سولوكومبو في نيبال، حيث توجد قاعدة التسلق الشهيرة، ومن الشمال هضبة التبت في الصين.
- التكوين الجيولوجي: يتكون جبل إيفرست من صخور رسوبية ومتحولة تعود إلى ملايين السنين، وهو نتاج تصادم الصفائح التكتونية بين الصفيحة الهندية والصفيحة الأوراسية. ويستمر هذا التصادم حتى اليوم، مما يؤدي إلى زيادة ارتفاع الجبل بمعدل ضئيل سنويًا.
- المناخ القاسي: يتميز جبل إيفرست بمناخ شديد القسوة، حيث تهبط درجات الحرارة إلى ما دون -40 درجة مئوية، وتبلغ سرعة الرياح أحيانًا 200 كم/ساعة. كما يعاني المتسلقون من قلة الأكسجين على ارتفاعات عالية، حيث تنخفض نسبة الأكسجين بنسبة 60% مقارنة بالمستويات العادية، مما يجعل التنفس صعبًا للغاية.
المساران الرئيسيان لتسلق جبل إيفرست:
- المسار الجنوبي (نيبال): أكثر شعبية ويبدأ من قرية لوكلا وصولًا إلى معسكر قاعدة إيفرست، ثم يتجه عبر شلالات الجليد ومنطقة “الشرفة الجنوبية” وصولًا إلى القمة.
- المسار الشمالي (التبت): يبدأ من الجانب الصيني عبر هضبة التبت، ويعد أقل ازدحامًا ولكنه أكثر برودة وأكثر تحديًا من حيث التقلبات الجوية.
تاريخ استكشاف وتسلق جبل إيفرست:
لطالما كان جبل إيفرست محط اهتمام المستكشفين، لكن الوصول إلى قمته كان حلمًا بعيد المنال حتى القرن العشرين.
- أول المحاولات الفاشلة: بدأت أولى محاولات تسلق إيفرست في عشرينيات القرن الماضي من الجانب التبتي، حيث حاول المستكشفان البريطانيان جورج مالوري وأندرو إيرفين الوصول إلى القمة عام 1924، لكنهما اختفيا في طريقهما ولم يُعرف مصيرهما حتى العثور على جثة مالوري عام 1999.
- أول صعود ناجح: في 29 مايو 1953، نجح السير إدموند هيلاري من نيوزيلندا ودليل الشيربا تينسينغ نورغاي من نيبال في الوصول إلى قمة جبل إيفرست عبر المسار الجنوبي، ليصبحا أول من وطأت أقدامهما أعلى نقطة على الأرض.
- أبرز الإنجازات في التسلق: 1975: جونكو تاباي من اليابان تصبح أول امرأة تصل إلى القمة. 1978: راينهولد ميسنر وبيتر هابيلر يصعدان دون استخدام الأكسجين المعبأ. 1996: وقوع “عاصفة إيفرست”، واحدة من أسوأ الكوارث في تاريخ التسلق، حيث لقي ثمانية متسلقين حتفهم. 2001: إيريك وينماير يصبح أول متسلق كفيف يصل إلى القمة. 2019: رقم قياسي ببلوغ 885 متسلقًا القمة خلال موسم واحد.

تحديات ومخاطر تسلق جبل إيفرست:
رغم الإنجازات العظيمة التي تحققت، لا يزال تسلق إيفرست أحد أكثر المغامرات خطورة في العالم.
- نقص الأكسجين ومتلازمة الارتفاع: كلما زاد الارتفاع، قلّت نسبة الأكسجين، مما يؤدي إلى الإصابة بـ”داء المرتفعات”، الذي يسبب دوارًا، غثيانًا، وتورمًا في الدماغ أو الرئتين، وقد يكون قاتلًا إن لم يتم علاجه بسرعة.
- شلالات الجليد والانهيارات الثلجية: يمر المتسلقون عبر شلال خومبو الجليدي، وهو منطقة مليئة بالكهوف الجليدية المتحركة التي تنهار بشكل مفاجئ، مما يجعلها من أخطر المناطق في الرحلة.
- العواصف والرياح العاتية: يمكن أن تتغير الأحوال الجوية بسرعة مذهلة، حيث تهب عواصف قوية مفاجئة تجعل التنقل مستحيلًا وتعرض المتسلقين لخطر التجمد والموت.
- المخاطر البيئية والجثث المنتشرة: مع أكثر من 300 متسلق لقوا حتفهم على إيفرست، تُركت العديد من الجثث في أماكنها بسبب صعوبة إجلائها، مما جعلها معالم مروعة على الطريق نحو القمة.
أثر جبل إيفرست على السياحة والبيئة:
- السياحة وتسلق الجبال: أصبح جبل إيفرست مصدرًا رئيسيًا للدخل في نيبال والتبت، حيث يدفع المتسلقون ما يصل إلى 50,000 دولار للحصول على تصاريح التسلق. كما يشهد المعسكر الأساسي في نيبال زيارات من السياح الذين يأتون فقط للاستمتاع بالمناظر الخلابة.
- التلوث البيئي: تزايد عدد المتسلقين أدى إلى تراكم القمامة والمعدات المهجورة، مما جعل إيفرست أحد أكثر الأماكن تلوثًا في العالم. وقد بدأت حملات تنظيف في السنوات الأخيرة لإزالة المخلفات.
مقترح لك: كابيتول هيل
الخلاصة
يظل جبل إيفرست رمزًا للتحدي والمثابرة، ولكن مع ازدياد أعداد المتسلقين، تزداد التحديات البيئية واللوجستية. تسعى الحكومات والمنظمات المعنية للحفاظ على توازن بين إتاحة الفرصة للمغامرين وحماية الجبل من التأثيرات السلبية.
في النهاية، يبقى جبل إيفرست أكثر من مجرد قمة شاهقة، بل هو اختبار للإرادة البشرية، ومدرسة للصبر والتحمل، وحلم يسعى الكثيرون لتحقيقه رغم صعوبته. إذا كنت تحلم ببلوغ قمة العالم.
التعليقات