مدينة بومبي هي واحدة من أعظم المواقع الأثرية في العالم، حيث توفر لمحة فريدة عن الحضارة الرومانية التي كانت مزدهرة قبل أن يُطمر كل شيء تحت الرماد البركاني. كانت هذه المدينة الإيطالية القديمة، الواقعة بالقرب من نابولي، مركزًا للحياة والتجارة في العصور الرومانية، حتى جاء اليوم المشؤوم في عام 79 ميلادي، عندما ثار جبل فيزوف، مدمرًا المدينة وسكانها. على الرغم من هذه الكارثة، ساعدت طبقات الرماد البركاني في الحفاظ على المباني والمقتنيات وحتى أجساد السكان، مما جعل بومبي موقعًا أثريًا استثنائيًا.
في هذا المقال، سنستكشف تاريخ مدينة بومبي قبل الكارثة، وكيفية تدميرها، وما كشفته الحفريات الأثرية، وأهم المعالم السياحية فيها، وتأثيرها الثقافي على العالم اليوم.
تاريخ مدينة بومبي قبل الكارثة:
- يعود تاريخ بومبي إلى القرن السابع أو السادس قبل الميلاد، عندما أسسها شعب الأوسكان، الذين كانوا من أوائل الشعوب التي سكنت جنوب إيطاليا. مع مرور الوقت، تأثرت المدينة بالحضارات اليونانية والإترورية والسامنية قبل أن تصبح جزءًا من الجمهورية الرومانية في القرن الرابع قبل الميلاد.
- النمو الاقتصادي والمعماري: مع تحولها إلى مستعمرة رومانية رسمية في عام 80 قبل الميلاد، شهدت بومبي تطورًا كبيرًا. تم بناء العديد من المعابد، الحمامات العامة، المسارح، الفيلات الفاخرة، والمباني التجارية، مما جعلها مدينة رومانية متكاملة. ازدهرت الأنشطة التجارية في المدينة، بفضل موقعها القريب من البحر الأبيض المتوسط، مما جعلها نقطة تجارية مهمة للزيتون، النبيذ، والأسماك المجففة.
- الحياة اليومية في بومبي: كانت بومبي مدينة نابضة بالحياة، حيث كان سكانها يتمتعون بأسلوب حياة روماني مرفه. كانت الأسواق تعج بالبضائع، والمواطنون يستمتعون بالعروض المسرحية والمصارعات في المدرج، بينما كانت الأسر الغنية تعيش في منازل مزخرفة بجداريات فنية رائعة.

كارثة ثوران جبل فيزوف عام 79 ميلادي في مدينة بومبي:
- في 24 أغسطس عام 79 ميلادي، بدأت سلسلة من الهزات الأرضية تهز المدينة، لكن سكان بومبي لم يكونوا على دراية بأن جبل فيزوف كان يستعد لثوران مدمر.
- اليوم الأول من الكارثة: حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، ثار البركان، مطلقًا أعمدة ضخمة من الرماد والصخور البركانية إلى السماء، حيث وصل ارتفاعها إلى 33 كيلومترًا. تساقط الرماد على المدينة، مما أدى إلى انهيار الأسطح وتسبب في حالة من الفوضى. في هذه المرحلة، تمكن العديد من السكان من الفرار، لكن الكثيرين بقوا، غير مدركين أن الأسوأ لم يأت بعد.
- اليوم الثاني، السحب القاتلة: في الصباح الباكر من اليوم التالي، انهار عمود الرماد البركاني، مما أدى إلى تدفق سحابة من الغازات الساخنة والرماد بسرعة 100 كيلومتر في الساعة، مما أدى إلى مقتل أي شخص بقي في المدينة. دُفنت المدينة بالكامل تحت طبقات سميكة من الرماد، مما أدى إلى تجميدها في الزمن.
الاكتشافات الأثرية في مدينة بومبي:
ظلت بومبي مدفونة تحت الرماد لما يقارب 1700 عام، حتى تم اكتشافها في القرن الثامن عشر، لتبدأ سلسلة من الحفريات التي أذهلت العالم.
المباني المحفوظة بشكل استثنائي: كشفت الحفريات عن العديد من المباني التي ظلت بحالة رائعة، ومنها:
- المنتدى الروماني: مركز الحياة السياسية والتجارية في المدينة.
- المدرج: الذي كان يستضيف عروض المصارعة الرومانية.
- فيلا الأسرار: واحدة من أجمل الفيلات المزخرفة بلوحات جدارية رومانية نادرة.
- الحمامات العامة: التي تعكس الثقافة الرومانية في النظافة والاستحمام الجماعي.
الجثث المتحجرة: من أكثر الاكتشافات إثارة للرعب هي القوالب الجصية لأجساد السكان الذين ماتوا وهم يحاولون الهرب. تم العثور على هذه الأجساد في أوضاع مختلفة، بعضهم كان يحتضن أحبته، والبعض الآخر كان يركض، مما جعل هذه المشاهد مؤثرة للغاية.
الحياة اليومية من خلال القطع الأثرية: تم العثور على أدوات المطبخ، أرغفة خبز متفحمة، ورسائل مكتوبة، مما أعطى العلماء فكرة واضحة عن كيف كان يعيش سكان بومبي قبل الكارثة.

السياحة في مدينة بومبي اليوم:
اليوم، تعتبر بومبي واحدة من أهم الوجهات السياحية في إيطاليا، حيث يزورها أكثر من 2.5 مليون زائر سنويًا.
أهم الأماكن التي يجب زيارتها في مدينة بومبي:
- المنتدى الروماني: الساحة المركزية التي كانت القلب النابض للمدينة.
- المدرج الروماني: واحد من أقدم المدرجات في العالم، وقد كان يستوعب 20,000 متفرج.
- بيت فاون: منزل فخم يُعتقد أنه كان يخص إحدى العائلات الغنية في بومبي.
- حمامات ستابيان: مثال رائع على تطور أنظمة الاستحمام الرومانية.
- فيلا الأسرار: تحتوي على بعض من أروع اللوحات الجدارية الرومانية الباقية.
أفضل وقت لزيارة مدينة بومبي:
يفضل زيارة الموقع في الربيع أو الخريف لتجنب حرارة الصيف الحارقة. كما ينصح بارتداء أحذية مريحة، حيث أن المشي في المدينة القديمة قد يكون متعبًا بسبب طبيعة الطرق الرومانية المرصوفة.
الأهمية الثقافية والتاريخية لمدينة بومبي:
- بومبي ليست مجرد موقع أثري، بل هي أرشيف فريد للحضارة الرومانية. لقد غيرت الاكتشافات فيها طريقة فهمنا للحياة في العصور القديمة، كما أثرت في الأدب، السينما، والفن.
- بومبي في الأدب والفن: استوحى العديد من الكتاب والفنانين أعمالهم من بومبي، مثل رواية “الأيام الأخيرة لبومبي” للكاتب إدوارد بولوير-ليتون، التي تحولت إلى أفلام ومسرحيات. تأثرت العديد من اللوحات الفنية والمنحوتات بأسلوب الحياة الذي تم اكتشافه في بومبي.
- أثر بومبي على علم الآثار: تعتبر بومبي أحد أهم المواقع الأثرية في العالم، حيث ساهمت في تطوير أساليب الحفظ الأثري وفهمنا للعادات الرومانية القديمة. كشفت الحفريات الحديثة عن المزيد من الأحياء السكنية، مما يوفر معلومات جديدة عن الطبقات الاجتماعية المختلفة في المدينة.
مقترح لك: جراند كانيون
الخلاصة
على الرغم من أنها دُمرت في غضون ساعات قليلة، فإن مدينة بومبي ظلت خالدة في ذاكرة التاريخ. إن زيارة هذه المدينة اليوم ليست مجرد رحلة سياحية، بل هي عودة إلى الماضي، حيث يمكن للزوار المشي في شوارعها ورؤية المنازل والأسواق والمباني التي ظلت على حالها منذ أكثر من 2000 عام.
تظل مدينة بومبي تحفة أثرية لا مثيل لها، تروي قصة كارثة رهيبة، ولكنها في الوقت نفسه تذكرنا بعظمة الحضارة الرومانية ومدى تطورها. وبفضل الحفريات المستمرة، فإن هذه المدينة لا تزال تكشف عن أسرارها، لتبقى شاهدًا على قوة الطبيعة وحضارة الإنسان.
التعليقات